فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {رب قد آتيتني من الملك}
فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن الملك هو احتياج حساده إليه، قاله ابن عطاء.
الثاني: أراد تصديق الرؤيا التي رآها.
الثالث: أنه الرضا بالقضاء والقناعة بالعطاء.
الرابع: أنه أراد مُلْك الأرض وهو الأشهر. وإنما قال من الملك لأنه كان على مصر من قبل فرعون.
{وعلمتني من تأويل الأحاديث} فيه وجهان:
أحدهما: عبارة الرؤيا. قاله مجاهد.
الثاني: الإخبار عن حوادث الزمان، حكاه ابن عيسى.
{فاطر السموات والأرض} أي خالقهما.
{أنت وليّي في الدنيا والآخرة} يحتمل وجهين:
أحدهما: مولاي.
الثاني: ناصري. {توفني مسلمًا} فيه وجهان:
أحدهما: يعني مخلصًا للطاعة، قاله الضحاك.
الثاني: على ملة الإسلام. حكى الحسن أن البشير لما أتى يعقوب قال له يعقوب عليه السلام: على أي دين خلفت يوسف؟ قال: على دين الإسلام. قال: الآن تمت النعمة.
{وألحقني بالصالحين} فيه قولان:
أحدهما: بأهل الجنة، قاله عكرمة.
الثاني: بآبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، قاله الضحاك.
قال قتادة والسدي: فكان يوسف أول نبي تمنى الموت.
وقال محمد بن إسحاق: مكث يعقوب بأرض مصر سبع عشرة سنة. وقال ابن عباس مات يعقوب بأرض مصر وحمل إلى أرض كنعان فدفن هناك. ودفن يوسف بأرض مصر ولم يزل بها حتى استخرج موسى عظامه وحملها فدفنها إلى جنب يعقوب عليهم السلام. اهـ.

.قال ابن عطية:

{رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}
قرأ ابن مسعود: {آتيتن} و: {علمتن} بحذف الياء على التخفيف، وقرأ ابن ذر: {رب آتيتني} بغير: {قد}.
وذكر كثير من المفسرين: أن يوسف عليه السلام لما عدد في هذه الآية نعم الله عنده تشوق إلى لقاء ربه ولقاء الجلة وصالحي سلفه وغيرهم من المؤمنين، ورأى أن الدنيا كلها قليلة فتمنى الموت في قوله: {توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين} وقال ابن عباس: لم يتمن الموت نبي غير يوسف، وذكر المهدوي تأويلًا آخر- وهو الأقوى عندي- أن ليس في الآية تمني موت- وإنما عدد يوسف عليه السلام نعم الله عنده ثم دعا أن يتم عليه النعم في باقي عمره أي: {توفني}- إذا حان أجلي- على الإسلام، واجعل لحاقي بالصالحين، وإنما تمنى الموافاة على الإسلام لا الموت. وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يتمنينَّ أحدكم الموت لضرّ نزل به» الحديث بكماله. وروي عنه عليه السلام أنه قال في بعض دعائه: «وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون»، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: اللهم قد رقّ عظمي وانتشرت وعييت فتوفني غير مقصر ولا عاجز.
قال القاضي أبو محمد: فيشبه أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: لضر نزل به- إنما يريد ضرر الدنيا كالفقر والمرض ونحو ذلك ويبقى تمني الموت مخافة فساد الدين مباحًا، ويدلك على هذا قول النبي عليه السلام: «يأتي على الناس زمان يمر فيه الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، ليس به الدين لكن ما يرى من البلاء والفتن».
قال القاضي أبو محمد: فقوله: ليس به الدين- يقتضي إباحة ذلك أن لو كان عن الدين وإنما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة الناس كيف تكون.
وقوله: {آتيتني من الملك} قيل: {من} للتبعيض وقيل: لبيان الجنس؛ وكذلك في قوله: {من تأويل الأحاديث} المراد بقوله: {الأحاديث} الأحلام، وقيل: قصص الأنبياء والأمم.
وقوله: {فاطر} منادى، وقوله: {أنت وليي} أي القائم بأمري الكفيل بنصرتي ورحمتي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الملك وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحاديث}
قال قَتَادة: لم يتمنّ الموت أحدٌ؛ نبيّ ولا غيره إلاَّ يوسف عليه السلام؛ حين تكاملت عليه النِّعم وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء ربه عزّ وجلّ.
وقيل: إن يوسف لم يتمنّ الموت، وإنما تمنّى الوفاة على الإسلام؛ أي إذا جاء أَجَلِي تَوَفَّنِي مسلمًا؛ وهذا قول الجمهور.
وقال سهل بن عبد الله التُّسْتَريّ: لا يتمنى الموت إلا ثلاث: رجل جاهل بما بعد الموت، أو رجل يفرّ من أقدار الله تعالى عليه، أو مشتاقٌ محبٌّ للقاء الله عزّ وجلّ.
وثبت في الصحيح عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنّين أحدُكم الموت لضُرٍّ نزل به فإن كان لابد متمنيًا فليقل اللهم أَحْيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتَوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي» رواه مسلم.
وفيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنّى أحدُكم الموت ولا يَدْعُ به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمِنَ عُمُره إلا خيرًا».
وإذا ثبت هذا فكيف يقال: إن يوسف عليه السلام تمنى الموت والخروج من الدنيا وقطع العمل؟ هذا بعيدا إلا أن يقال: إن ذلك كان جائزًا في شرعه؛ أَمَا أنه يجوز تمنّي الموت والدعاء به عند ظهور الفتن وغلبتها، وخوف ذهاب الدين، على ما بيّناه في كتاب التذكرة و: {مِنَ} من قوله: {مِنَ الْمُلْكِ} للتبعيض، وكذلك قوله: {وَعَلَّمَتْنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحاديث} لأن مُلْك مصر ما كان كل الْمُلك، وعلم التّعبير ما كان كلّ العلوم.
وقيل: {مِنَ} للجنس كقوله: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: 30]. وقيل: للتأكيد. أي آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث.
قوله تعالى: {فَاطِرَ السماوات والأرض} نصب على النعت للنداء، وهو ربّ، وهو نداء مضاف؛ والتقدير: يا رب ويجوز أن يكون نداء ثانيًا.
والفاطر الخالق؛ فهو سبحانه فاطر الموجودات، أي خالقها ومبدئها ومنشئها ومخترعها على الإطلاق من غير شيء، ولا مثال سبق؛ وقد تقدّم هذا المعنى في البقرة مستوفى؛ عند قوله: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ والأرض} وزدناه بيانًا في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى.
{أَنتَ وَلِيِّي} أي ناصري ومتولّي أموري في الدنيا والآخرة.
{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} يريد آباءه الثلاثة؛ إبراهيم وإسحق ويعقوب، فتوفاه الله طاهرًا طيبًا صلى الله عليه وسلم بمصر، ودُفن في النيل في صندوق من رخام؛ وذلك أنه لما مات تَشاحَّ الناس عليه؛ كلٌّ يحب أن يدفن في مَحَلَّتهم، لما يرجون من بركته؛ واجتمعوا على ذلك حتى همُّوا بالقتال، فرأوا أن يدفنوه في النِّيل من حيث مَفرِق الماء بمصر، فيمرّ عليه الماء، ثم يتفرّق في جميع مصر، فيكونوا فيه شَرَعًا ففعلوا؛ فلما خرج موسى ببني إسرائيل أخرجه من النيل: ونقل تابوته بعد أربعمائة سنة إلى بيت المقدس، فدفنوه مع آبائه لدعوته: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} وكان عمره مائة عام وسبعة أعوام.
وعن الحسن قال: أُلقي يوسف في الجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان في العبودية والسّجن والملك ثمانين سنة، ثم جُمع له شمله فعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة؛ وكان له من الولد إفراثيم، ومنشا، ورحمة، زوجة أيوب؛ في قول ابن لَهِيعة.
قال الزّهريّ: وولد لإفراثيم بن يوسف نون بن إفراثيم، وولد لنون يوشع؛ فهو يوشع بن نون، وهو فتى موسى الذي كان معه صاحب أمره، ونبأه الله في زمن موسى عليه السلام؛ فكان بعده نبيًا، وهو الذي افتتح أرِيحا، وقَتل من كان بها من الجبابرة، واستوقفت له الشمس حسب ما تقدّم في المائدة.
وولد لمنشا بن يوسف موسى بن منشا، قبل موسى بن عمران. وأهل التوراة يزعمون أنه هو الذي طلب العالم ليتعلم منه حتى أدركه، والعالم هو الذي خرق السفينةِ، وقتل الغُلامَ، وبنَى الجدارَ، وموسى بن منشا معه حتى بلغ معه حيث بلغ؛ وكان ابن عباس ينكر ذلك؛ والحق الذي قاله ابن عباس؛ وكذلك في القرآن.
ثم كان بين يوسف وموسى أمم وقرون، وكان فيما بينهما شعيب، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. اهـ.

.قال الخازن:

{رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}
{رب} أي يا رب: {قد آتيتني من الملك} يعني من ملك مصر ومن هنا للتبعيض لأنه لم يؤت ملك مصر كله بل كان فوقه ملك آخر والملك عبارة عن الاتساع في المقدور لمن له السياسة والتدبير: {وعلمتني من تأويل الأحاديث} يعني تعبير الرؤيا: {فاطر السموات والأرض} يعني خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق.
وأصل الفطر الشق يقال فطر ناب البعير إذا شق وظهر وفطر الله الخلق أوجده وأبدعه: {أنت وليي} يعني معيني ومتولي أمري: {في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا} أي اقبضني إليك مسلمًا.
واختلفوا هل هو طلب للوفاة في الحال أم لا على قولين:
أحدهما: أنه سأل الله الوفاة في الحال، قال قتادة: لم يسأل نبي من الأنبياء الموت إلا يوسف قال أصحاب هذا القول وإنه لم يأت عليه أسبوع حتى توفي.
والقول الثاني: أنه سأل الوفاة على الإسلام ولم يتمن الموت في الحال قال الحسن إنه عاش بعد هذه سنين كثيرة فعلى هذا القول يكون معنى الآية توفني إذا توفتني على الإسلام فهو طلب لأن يجعل الله وفاته على الإسلام وليس في اللفظ ما يدل على أنه طلب الوفاة في الحال، قال بعض العلماء وكلا القولين محتمل لأن اللفظ صالح للأمرين ولا يبعد من الرجل العاقل الكامل أن يتمنى الموت لعلمه أن الدنيا ولذاتها فانية زائلة سريعة الذهاب وأن نعيم الآخرة باق دائم لا نفاذ له ولا زوال ولا يمنع من هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمن أحدكم الموت لضر نزل به» فإن تمني الموت عند وجود الضر ونزول البلاء مكروه والصبر عليه أولى وقوله: {وألحقني بالصالحين} أراد به بدرجة آبائه وهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام قال علماء التاريخ عاش يوسف مائة وعشرين سنة وفي التوارة مائة وعشر سنين وولد ليوسف من امرأة العزيز ثلاثة أولاد أفراثيم وميشا ورحمة امرأة أيوب وقيل عاش بعد أبيه ستين سنة وقيل أكثر.
ولما مات يوسف دفنوه في النيل في صندوق من رخام وقيل من حجارة المرمر وذلك أنه لما مات يوسف تشاحن الناس فيه فطلب كل أهل محلة أن يدفن في محلتهم رجاء بركته حتى هموا أن يقتتلوا ثم رأوا أن يدفنوه في النيل بحيث يجري الماء عليه ويتفرق عنه وتصل بركته إلى جميعهم وقال عكرمة إنه دفن في الجانب الأيمن من النيل فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر فنقل إلى الجانب الإيسر فأخصب وأجدب الجانب الأيمن فدفنوه في وسط النيل وقدروه بسلسلة فأخصب الجانبان فبقي إلى أن أخرجه موسى وحمله معه حتى دفنه بقرب آبائه بالشام في الأرض المقدسة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ}
ومن في قوله من الملك، وفي من تأويل للتبعيض، لأنه لم يؤته إلا بعض ملك الدنيا، ولا علمه إلا بعض التأويل.
ويبعد قول من جعل من زائدة، أو جعلها البيان الجنس، والظاهر أن الملك هنا ملك مصر.
وقيل: ملك نفسه من إنفاذ شهوته.
وقال عطاء: ملك حساده بالطاعة، ونيل الأماني من الملك.
وقرأ عبد الله، وعمرو بن ذر: {آتيتن} و{علمتن} بحذف الياء منهما اكتفاء بالكسرة عنهما، مع كونهما ثابتتين خطًا.
وحكى ابن عطية عن ابن ذرانة: قرأ {رب آتيتني} بغير قد، وانتصب {فاطر} على الصفة، أو على النداء.
و{أنت وليي} تتولاني بالنعمة في الدارين، وتوصل الملك الفاني بالملك الباقي.
وذكر كثير من المفسرين أنه لما عد نعم الله عنده تشوق إلى لقاء ربه ولحاقه بصالحي سلفه، ورأى أنّ الدنيا كلها فانية فتمنى الموت.
وقال ابن عباس: لم يتمن الموت حي غير يوسف، والذي يظهر أنه ليس في الآية تمنى الموت، وإنما عدد نعمه عليه، ثم دعا أن يتم عليه النعم في باقي أمره أي: توفني إذا حان أجلي على الإسلام، واجعل لحاقي بالصالحين.
وإنما تمنى الوفاة على الإسلام لا الموت، والصالحين أهل الجنة أو الأنبياء، أو آباؤه إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
وعلماء التاريخ يزعمون أنّ يوسف عليه السلام عاش مائة عام وسبعة أعوام، وله من الولد: افراثيم، ومنشا، ورحمة زوجة أيوب عليه السلام.
قال الذهبي: وولد لافراثيم نون، ولنون يوشع، وهو فتى موسى عليه السلام.
وولد لمنشأ موسى، وهو قبل موسى بن عمران عليه السلام.
ويزعم أهل التوراة أنه صاحب الخضر، وكان ابن عباس ينكر ذلك.
وثبت في الصحيح أن صاحب الخضر هو موسى بن عمران، وتوارثت الفراعنة ملك مصر، ولم تزل بنو إسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف عليه السلام إلى أن بعث موسى عليه السلام. اهـ.